منوعات

هل تنجح وساطة موسكو بين اللبنانيين؟ 

لم يسبق أن تقدّمت روسيا بخطوات عملية في لبنان. بقيت موسكو تمارس أعلى درجات الدبلوماسية مع بلد متعرّج السياسات. وإذا كانت هناك علاقة تاريخية قديمة بين الروس وقوى لبنانية يسارية تحديداً، تعزّزت في زمن الإتحاد السوفياتي، فإن موسكو مارست في السنوات الماضية سياسة الإنفتاح على كل القوى اللبنانية، لكن جرى تصنيفها بعد بدء الأزمة السورية بأنها حاضنة دمشق، وهو ما باعد بينها وبين خصوم سوريا في لبنان.

تغيّرت المعادلات حالياً، وباتت موسكو مقصداً يجمع مختلف الطيف السياسي اللبناني: يُمكن رصد نوعية العلاقة المتينة بين الرئيس المكلّف تأليف الحكومة اللبنانية سعد الحريري والروس، بعدما حصل أكثر من لقاء بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والحريري الذي يزور موسكو. ماذا سيقول “الشيخ سعد” للروس؟ وماذا سيسمع منهم؟ سيكون ملف تأليف الحكومة جزءاً من سيناريوهات عدة مطروحة بشأن واقع الأزمة السياسية في لبنان.

يندفع الروس لمؤازرة اللبنانيين لا بسبب إهتمام خاص لموسكو بهذا البلد المتروك دولياً، ولا لإقتناص فرصة تخلّي العواصم العربية والدولية عنه، بل إنطلاقاً من أنّ قيادة الإتحاد الروسي قرّرت رعاية هذا الإقليم: يمكن الإضاءة على دور الروس في محاولة فرض تسويات في كل من اليمن، سوريا، افغانستان، ورعاية مصالحات إقليمية او الدفع من أجل تقريب مسافات بين الدول. ومن هنا يأتي القرار الروسي في السعي لوأد النزاع السياسي في لبنان، مما ينعكس إيجاباً في مسار تأليف الحكومة اللبنانية ويضع البلد بعدها على سكة الحل المنشود اقتصادياً ومالياً.

تؤكد المعطيات أن الحراك الذي باشره وزير الخارجية الروسية في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر وإيران، يتمّمه الروس بلقاء لبنانيين، لذا لن تقتصر الدعوات على الحريري، بل ستطال شخصيات وقوى أخرى.

وإذا كانت الأولوية الروسية هي بشأن فرض حل سوري، من خلال تأمين رعاية عربية لدمشق، ستتمّ ترجمتها في إعادة الجمهورية العربية السورية الى موقعها الطبيعي في جامعة الدول العربية ثم دعم إعادة الإعمار هناك، فإن الإستقرار اللبناني مطلوب اولاً، بسبب الموقع الجغرافي لهذا البلد، وثانياً لأن انهياره سيدفعه نحو فوضى، قد تتمدّد في زمن ترميم النُظم وتسويق مشاريع التسويات. فهل تنجح روسيا في محاولة فرض تسوية لبنانية؟.

لم يعتد اللبنانيون على نجاح اي صفقات من دون رعاية دائمة. يمكن الإستناد هنا الى محطتين: اولاً، وجود الجيش السوري في لبنان حقّق إستقراراً سياسيا وامنيا واقتصاديا بعد حرب أهلية طاحنة، ليعود العبث السياسي الى لبنان بعد غياب الدور السوري المباشر.

ثانياً، لم تدم مفاعيل إتفاق الدوحة، بل سقطت تدريجياً، ليتبيّن ان الاستقرار اللبناني لا يحل الا فرضاً، وبالقوة.

لا تملك روسيا قوّة عملانية في لبنان، ولا هي في وارد دفع أموال او تقديم هبات للبنانيين، لكن الهيبة الروسية متوافرة. فهل تكفي وحدها؟ ماذا لو أراد الأميركيون إحباط الدور الروسي في لبنان؟

لا يمكن الجزم الآن بنتائج المساعي الروسية الايجابية التي يحتاج إليها اللبنانيون في زمن تهرّب او انشغال العواصم الدولية. فلننتظر قليلاً.

عباس ضاهر

عباس ضاهر

كاتب وصحافي لبناني. باحث متخصص بإدارة الأزمات والخطاب السياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى